مبادئ التربية
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول
اللّه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد
تقوم التربية بصفة عامة على عدة
عوامل؛ هي: "المعلم والطالب، أو المعلم والتلميذ، وكذلك المنهج والبيئة التعليمية؛
أيًّا كانت هذه البيئة بيئة مدرسية أو بيئة جامعية" وفُقدان أي من هذه
العوامل أو خلله يؤدي إلى خلل التربية بأكملها، سواء أكان هذا الخلل كبيرًا أم
صغيرًا جزئيًّا أم كليًّا؛ وعليه فإن أي نوع من التربية، سواء كانت تربية صفية
داخل الصفوف الدراسية أو غير صفية أي: خارج الصفوف الدراسية، وخارج قاعات التعلم
والدراسة؛ لا بد أن يكون له منهج مكتوب يوجه أهدافه، ويوجه محتواه، وهذا المنهج
بالضرورة يكون متمثلًا في المعلومات والأنشطة التعليمية.
ولعل المتتبع للأدبيات الحديثة في
مجال التربية، وفي مجال المناهج وطرق التدريس يَقِفُ على كثير من هذه الأمور.
ولا بد من مبررات لوضع نظرية للمنهج،
يُمكن أن يكون من بين هذه المبررات أنه: إذا سلمنا بأنّ المنهج عِلمٌ تَطبيقِيُّ
جديد، يلعَبُ دورًا مهمًّا وأساسيًّا في إنتاج التربية المدرسية، أو التربية
الجامعية؛ فإن النظرية عندئذٍٍ تصبح بالنسبة له هدفًا أساسيًّا.
أيضًا فإن النظرية تمثل هدفًا للمنهج،
من أجل توجيه مفهومه، وإعداده وتخطيطه وتنفيذه وتقويمه؛ ثُم تطويره ومتابعته، أي:
أنها توجه كافة عمليات المنهج، ويدفعنا ذلك إلى أن نُعرف النظرية المنهجية، وقد
جاءت عدة تعريفات للنظرية المنهجية، كانت هذه التعريفات مختلفة تبعًا لاختلاف
فلسفات من قام بتعريفها، وكذلك تبعًا لخبراتهم الشخصية العلمية والعملية.
فقد عرفت "هيلدا طابا" عام
1962 النظرية المنهجية بأنها: "طريقة لتنظيم التفكير حول قضايا مهمة، تخص
تطوير المنهج مثل: مكونات المنهج، وأهم عناصره، وكيفية اختيارها وتنظيمها، ومَصادر
القرارات؛ سواءٌ أكانت هذه القرارات منهجية مُرتبطة في محتوى المنهج، أو قرارات
تعليمية ترتبط بالمنهج بصورة أو بأخرى، وكذلك كيفية ترجمة المعلومات
والمعايير النابعة من هذه المصادر؛ من
أجل اتخاذ القرار المنهجي السليم.
كما أوضح "جون وشاس" عام
1969 أن النظرية المنهجية هي مجموعة المعتقدات التي يتبناها الفرد، ويستخدمها
كقاعدة لقراراته الخاصة بتطوير وتنفيذ المنهج، وتشتق هذه المعتقدات بمبادئ الفِكر
الفلسفي والاجتماعي المتداخلة، ومن النظرة المُتعلقة بطبيعة البناء المعرفي أيضًا.
أما "بيوشمب" عام 1973 فقد
عَرّف النظرية المنهجية بأنها: مجموعة من العبارات المترابطة، التي توضح طبيعة
المنهج المدرسي؛ فهي تبين العلاقات السائدة بين عناصره المختلفة، وتوجهها نحو
تطويره، واستخداماته، وتقويمه.
ونَحنُ نرى أنّ النّظرية المنهجية هي
بمثابة عددٍ من المبادئ، والمعتقدات النفسية، والفلسفية والثقافية والمعرفية، التي
توجه عمليات بناء المنهج؛ فهي تُساعد في اتخاذ القرارات الخاصة بتحديد مُكوناته؛
من أهداف ومحتوى وأنشطة وخبرات، وأساليب تقويم وأساليب تطوير وتحسين ومتابعة.
ومما سبق يتبين لنا أننا بحاجة إلى عرض
لبعض أصول النظرية المنهجية، فنجد أن "بيوشمب" عام 1973 يقوم بتقسيم
النظريات في المعرفة إلى ثلاثة أقسام؛ وهي:
القسم الأول: نظريات في العلوم
الإنسانية.
والقسم الثاني: نظريات في العلوم
الاجتماعية.
والقسم الثالث: نظريات في العلوم
الطبيعية.
وتضم هذه الأقسام الثلاثة ميادين
المعرفة المعترف بها حاليًّا؛ فقسم العلوم الإنسانية يشمَلُ الأدب والفلسفة
والدين، وغيرها. وقسم العلوم الاجتماعية يشمل علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم
اللغات، والاقتصاد، وغيرها.
أما قسم العلوم التطبيقية -أي:
الطبيعية- فيَشْمَلُ علوم الفيزياء والأحياء والكيمياء، وهو يرى أنّ هذه الأقسام
أو المجالات ينبثِقُ منها نظريات في مجالات أسماها: "المجالات التطبيقية
للمعرفة" وهي تشمل: العمارة، والهندسة، والقانون، والطب، والتربية. مع العلم
أن هذه النظريات مُتداخلة وهي تستعير نظمًا وإجراءات من بعضها البعض.
وهذا ما يتفق مع العقل ومع الواقع،
ومَعَ المَنْطِق أن يكون هناك علاقة، وترابط بين هذه النظريات جميعًا؛ لأنها
تُستخدم جميعًا في مصلحة الإنسان، وفي مصلحة الفرد والمجتمع؛ فالنظريات في التربية
تستمد مصداقيتها، وتنتمي إلى نظريات في ميادين المعرفة المنظمة الراسخة القديمة؛
مثل: ميدان الفلسفة،
وميدان علم النفس، وعلم الاجتماع،
والفسيولوجيا، وما إلى ذلك من المجالات والميادين المرتبطة بالمجال.
والنظريات في التربية تنقَسِمُ إلى
أقسام فرعية؛ فهُناك نظريات في الإدارة، ونظريات في التوجيه والإرشاد؛ ونظريات في
المنهج، ونظريات في التدريس، ونظريات في التقويم، وكل قسم من هذه الأقسام الفرعية
يشمل أقسام أخرى؛ فالنظريات في المناهج مثلًا يمكن تقسيمها إلى أقسام أخرى، مثل:
نظريات في تصميم المنهج، ونظريات في تطبيق المنهج، ونظريات في أسس المنهج، ونظريات
في أهدافه ومحتواه، وتقويمه، وتطويره، ومتابعته... وهكذا.
وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام في
موضوعنا هذا ينصب على نظريات المنهج، وعلى نظرية المنهج على وجه التحديد كعلم
رئيس، وكمجال مُهم، يُوَجّه أعيُن القائمين على وضع المناهج إلى كيفية تصميم وبناء
ومُراعاة قواعد وأصول وأسس بناء المناهج وتصميمها؛ فعلى الرغم من علمنا من أنّ
النظريات في القانون أو الهندسة أو الطب قد تساهم في النظريات الإدارية، أو في
نظريات المنهج إلا أننا نعتبرها هنا ثانوية؛ ولا نُرَكّز عليها في مناقشتنا.
تطور نظريات المنهج:
هناك جهود مُبكرة للتطوير والتنظيم في
بناء وإعداد نظريات للمنهج، حيث إن الاهتمام بمجالات المنهج ونظرياته قديم، إلا أن
"فرانكلين بوبيه" كان من أوائل الذين طوروا مجال المنهج؛ كذلك فهو
يُعَدّ من الرواد الأوائل في الميادين العملية لتطويره؛ فهو أوّل من نادى بتحليل
النشاط كوسيلة لصنع القرار في مجال المنهج؛ وهو من الأوائل الذين استخدموا الطرق
العلمية لتحديد أنشطة واستعداد الكبار، بهدف بناء منهج مدرسي يمكن أن يعد الأطفال
لحياة الكبار.
كما أنّه كان هناك اتفاق من بعض
التربويين الأول، في السعي لتحليل أنشطة ووظائف الكبار؛ حتى تكون قاعدة أساسية
لقرارات إعداد وتصميم وبناء المنهج، لقد اهتم العديد من العلماء بالتربية المهنية
بصفة أساسية، مما ساعد على التوصل إلى نتائج مُهمّة حول محتوى المنهج وبنائه
وإعداده.
وقد تأثر كل من
"بوبت" و"تشارترز" بالحركة العلمية في التربية التي قادها
علماء مثل "ثرونديك" و"تشارلز جود" ومن تَبِعهم فاستخدما
الأساليب العلمية في حل مشكلات المنهج؛ كما أنهم تبنيا الافتراض القائل بأن وظيفة
المدرسة هي إعداد الصغار لحياة الكبار؛ مِمّا جعلهما يتبنيان وجهة النظر القائلة
بأنّ الطريق إلى المعرفة عن حياة الكبار هو تحليلها؛ ومن ثَمّ أن الطريق لبناء
منهج ما هو الوقوف على ماهية المهارات العملية.
كاتب غير معروف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق